-
يعتبر "الكعك" في مدينة القدس جزءاً أصيلاً من تراث المدينة التي برع
خبازوها في إعداد هذا النوع من الخبز المعمول بطريقة مختلفة بعض الشيء مع
إضافة السمسم الذي يعطي للكعك نكهة ولذة.
ترى الباعة يتجولون في
طريق البلدة القديمة وحولها وعند بوابات الحرم القدسي الشريف وهم ينادون
"اوعى... اوعى هاي الكعيييييييك.. يا قدسي يا كعك.. كعك القدس يا كعك"، في
منظر يحفظ للمدينة شيئا من تاريخها وحضارتها التي تتعرض للطمس والتهويد على
يد الاحتلال الاسرائيلي.
مهنة توارثتها الاجيال عبر الزمن فبعض
المخابز اغلق أبوابه وهناك من تغير حاله والاخر يحاول البقاء، لكن ما يزال
الطعم يقاوم الاحتلال, عشرون مخبزا تتوزع في الواد وحارة النصارى وباب حطة
وغيرها، لكل واحد منها قصة.الحكاية
تبدأ من أصل هذه "الكعكة"، فالقدس حتى الثمانينيات لم تعرف سوى الكعكة
"المدورة" التي تعلمها المقدسيون من الاتراك، ولكن كيف عرفت القدس الشكل
الطولي للكعك؟.
الإجابة على هذا التساؤل جاءت على لسان أول من عمل
الكعك بشكله الطولي، وهو الحاج نصر الدين الذي أصبح فرانا بالوراثة عن
والده، إذ يقول "عندما بلغت الثامنة لك اتوجه للدراسة بل توجهت الى العمل
مع والدي الذي كان يعتبر أشهر فرانا في القدس، حيث كان الكعك في ذلك الوقت
يعمل بالشكل الدائري".
ويتابع بأن فكرة الكعك "الطولي الشكل" ظهرت
في الثمانينيات من القرن الماضي عندما بادر هو إلى اعداد بعض الكعك بهذا
الشكل بهدف الحصول على وقت اقل حتى يجف وينضج الكعك، إلا انه اكتشف باضافته
للكثير من المسم أن الطعم بات افضل من السابق، فبادر الى اعتماد الشكل
الجديد، وبدأ بعرضه للزبائن حيث كان يقوم باعداد حوالي 80 كعكة في اليوم،
ليزداد العدد يوما بعد آخر.واكمل
مبتسما "ولانه اختراع بدون تسجيل انتشر بالبلد وصارت الافران تعملو, انا
بالبيت الان بس ولادي بشتغلو بالفرن واغلب الفرانين ولادهم بكملو عنهم
وبنحرص انو نعلمهم الصنعة حتى تستمر فهذا الي ورثنا عن ابائنا واجدادنا وما
يضطروا يشتغلوا عند اليهود وحتى تحافظ البلد على هويتها وقداستها".
هذه
نكهة القدس تذوقها مع كل قضمة كعك ولن تعرف الطعم في اي مكان اخر لكن ما
السبب يا ترى... قد تكون طبيعة البلدة لما فيها من حم داخلي لاحاطتها
بالاسوار وبرَكة المكان تضفي نكهة خاصة, حيث حاول الكثيرون تقليده من جميع
المناطق في رام الله والخليل ومواطني الثمانية والاربعين لكنهم لم يتوصلوا
للطعم ذاته, وقبل حصار البلدة من حواجز وجدر كان الكعك يوزع الى تل ابيب
والناصرة وبيت لحم وطولكرم اما اليوم فلا يوزع الا في بعض المناطق
المفتوحة.
"معا" التقت بعض الفرانين الشباب الذين ورثوا المهنة عن
ابائهم رغم الصعوبات التي تواجههم في القدس, فقال ماجد عبد الفتاح ابو
سنينة: "انا تعلمت الصنعة من ابوي ما كنت بدي اطلع فران بس الوالد تعب اكثر
من مرة وانا كنت اساعده مع اني كنت بالمدرسة وعمري 12 سنة, زمان كان
الواحد يعجن على ايدو ويوصل 10 اكياس, هالايام في عجانات".وقال
طارق الرازم: "ابوي بطل يشتغل, اخوي في الفرن الثاني وانا هون, واحنا
مشهورين بالكعك بوزع الكعك من الصبح, واسرائيل بدها تسكر المحل لانهم ما
بدهم شي قديم بالبلد".
أما ماجد بائع الكعك: "شغل الكعك طول الليل
لانه مع صلاة الصبح لازم تطلع اول خبزة يعني ما بتصير الساعة 10 الا واحنا
منفقين الخبز هون وهون وعلى العربايات...".
تخلط جميع المقادير من
طحين وخميرة وسكر وملح وزيت ذرة وحليب دافيء لتعجن وعندما تصبح جاهزة تترك
لمدة نصف ساعة لتخمر ثم تقطع دوائر وتفرد بالشكل المرغوب والمعروف لكعك
القدس, تدهن بيض ويرش السمسم.. وقليل جدا جدا من السكر. ثم تترك لنصف ساعه
اضافيه.. ثم تخبز لمدة ربع ساعة تقريبا على درجة حرارة 180 مؤية، حتى يصبح
لونها ذهبيا وتباع بشيكلين ونصف فالغني والفقير يستطيع شراءها.ويقول
داوود الاشهب الذي يعمل في فرن عمره 400 سنة, "زمان كنا نجيب طحين عالي
الجودة من اهل قرى رام الله والخليل، اما اليوم بس بنستعمل الطحين
الاسرائيلي...وكيس الطحين160 شيكل".
في حارة النصارى احد الافران
المجددة, يعمل فيه ايمن شاور الذي قال: "بلشت تصليح قبل 4 سنوات حرام ما
نبين جمال القوس والحجر وانا بحفر اكتشفت نوعين من الحجر نوع روماني قديم
وجاي فوقة الحجر العثماني... أما الفرن مبني من ملح ما هديتو وحافظت على
جودته لانه هذا شي نادر ما حدا بعمل زيو هاي الايام".الحاج
نصر الدين المولود في القدس والذي شكل كعكتها التي اصبحت مرتبطة بتاريخ
البلد, لا يستطيع اليوم اخذ حقوقه من شيخوخة أو تأمين صحي في مدينته لانه
كان يسكن في قلنديا التي اصبحت خلف الجدار, ابن القدس يغسل الكلى برام الله
منذ سنتين.
الحاج نصر الدين مبتكر الشكل الجديد لكعك القدس