القدس- معا- من
هبة حمدان- أمام محل سمانة في حي المصرارة بالقدس استوقفني مشهد رجل يأتي
ويذهب أمام "الدكان" بخطى متخبطة يبحث عن شيء كأنه من حقه, يسأل بالعبرية
كم ثمن هذا؟ هل آخذ الثلاثة بـ 60 شيقلا؟ مشيرا الى ورق التواليت, فأجابه
التاجر الفلسطيني الواحد بـ 28 شيقلا, فرد عليه مجادلا عندنا الثلاثة بـ 70
شيقلا, حينها قال له التاجر: اذهب واشتري من عندكم. واكمل ناظرا الي: "لو
ما كان السعر ارخص ما بتطلعوا فينا وبشتروا, الاحتلال بالاساس ما بدو ايانا
والبلدية بتخالف حتى السيارات اللي بينزلو البضاعة وكل يوم في محاولات
لشراء محلات واغلاقها بالقدس".
نستطيع الجزم أن كل شيء مخطط له
ومحسوب, فاسرائيل يحق لها جمع الضرائب من الارض المحتلة حسب القانون الدولي
بشرط أن تعيد صرفها على المنطقة عن طريق الخدمات الاساسية ( رصيف, شارع,
قمامة, انارة,....) لكن اذا اردنا المقارنة بين المناطق العربية واليهودية
في القدس او احيائها نجد فرقا شاسعا, يأخذون 300 شيكل للارنونا على كل متر
تجاري دون تصنيف للموقع او المساحة او الدخل العام والارباح للمنطقة,
فالمحل في شارح يافا(القدس الغربية) او شارع صلاح الدين (القدس العربية)
عندهم سواء لكن في الخدمات ليس كذلك, تتراكم الضرائب على التجار وتتضاعف,
في بداية الامر ما من سؤال لدائرة الجباية عنهم فاصبحت الغالبية من التجار
اما مديونين او محجوز عليهم بمبالغ ضخمة مما يحق لاسرائيل بعدها حجز
املاكهم والاستيلاء على دكاكينهم وبيوتهم سياسة مدروسة فمن الحق الى اخذ
المستحق.يقول
عبد الكريم صاحب محل (سنتواري) بالبلدة القديمة: "الضرائب التي نعاني منها
هي ذريعة للاحتلال للسيطرة على تجارتنا فالارنونا والتأمين والمخالفات
والحجوزات تصل الى مائة الف شيكل بالسنة ضمن مخطط للترحيل والتهويد".
ومما
يخفف عزاء عبد الكريم هو وجود التجار العرب الذين ما زالوا يحافظون على
محلاتهم في منطقة باب العامود، مؤكدا أن البقاء في القدس له معان كبيرة وهو
يوصي ابناءه دوما بأن يتمسكوا بمحلهم الذي يملكونه في القدس، لأن القدس
تعني للفلسطينيين الكثير.
اما الحاج ابراهيم زعرور ذو 77 عاما يشعر
باليأس مما آلت إليه القدس, دكانته فارغة وسيغلق، يقول: "عملت في ما يعرف
بذلك الزمان ب (مال ابان) أي ما يباع بالميزان، وكنا مُعتَمَدين كمركز
تجاري لبيع المواد التموينية للضفة, (نابلس, ورام الله, والخليل, وبيت لحم,
واريحا) اما الان زي ما انت شايفة حياة الشعب اختلفت, ولادي واحد خارج
البلد والتاني بشتغل مع مؤسسة".هذه
الاسواق التي دخلت في تكوين معالم المدينة وكأنها خلقت معها, فلا تستطيع
ان تتخيل البلدة القديمة دونها, كانت تجارتها مع الاردن وبلاد الشام ببضائع
اقل وموديلات محصورة اما اليوم اصبحت تستورد من اسرائيل وتركيا والصين,
ومع انتشار قوات الاحتلال في البلدة وتمركزهم فيها, يتم جمع المخالفات
وتهديد التجار بمصادرة محالهم من قبل المنظمات الاستيطانية الناشطة في
البلدة القديمة, والسيطرة على السياحة وغيرها من الاستفزازات والمضايقات.
يقول
ناصر الدين صاحب محل كهربائيات بالقدس: "حجزوا علي قبل 4 سنين بسبب
الضرائب, الي ابن بشتغل معي والتاني طلع لانه المحل ما بيطعمي عيلتين يا
بتدفع الارنونا يا بتعيش وما حدا سائل, كل سنة ببعتو لاهل القدس رسائل
بالبريد بالعربي والعبري والانجليزي عشان اللي مش فاهم يفهم بطالبوا فيها
بشراء الدكان بالسعر اللي بدك اياه, ويسأل مهموما أين اهل القدس؟ وراء
الجدار... من يصل منهم؟".كثير
من التجار لا يعرفون قوانين واجراءات مكتب الضريبة والمعاملات التي تصل
باللغة العبرية مما يعقد الامور وحتى بعض المحاسبين الذين لا يعملون بشكل
قانوني يساهمون في المشكلة، فيقع التجار ضحية مما يضطرهم لاغلاق المحال أو
العمل لدى السلطة الفلسطينية أو كاجيرين في اسرائيل.
"نتساءل عن
المؤسسات المساعدة والجمعيات والمراكز التي تستنكر وتهدد وتقيم الاجتماعات,
الغرفة التجارية بالقدس اغلقت وابعدت الى خارج حدودها ليتم استبدالها
بمؤسسات اسرائيلية", هذا ما قاله التاجر جواد سياج متابعا: "لا يوجد علاقة
بيننا وبين الغرفة التجارية لانها دون سلطات وغير معترف بها من قبل اسرائيل
ولا نتعامل مع الغرفة التجارية الاسرائيلية, لا يوجد استيراد وتصدير زي
العالم, التجار نفسهم مش قادرين يتحركوا بيخافوا ينمسكوا على الحاجز, انا
تخالفت 450 شيكلا عشان معلق اغراض باب المحل".توجهنا
الى مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية علنا نجد بارقة امل لتجار
القدس, قال لنا زياد الحموري مدير المركز: "ضريبة الارنونا مشكلة المشاكل
نحن ابرزناها, كانت الناس تخجل من القول انها مديونة واليوم الكل سواء اما
مديون او محجوز عليه والخطورة تكمن في التراكم المدروس لهذه الضرائب من قبل
اليهود، وعلى المدى الطويل تتضاعف الدفعات مما يؤدي للخطوة الثانية ألا
وهي الضغط على الناس ولن يستطيع احد التسديد, فتتم المصادرة والاستيلاء على
المحل او البيت". وأضاف "انا نفسي تعرضت في العام 1997 للحجز على املاكي
ومنعت من السفر".وأكد
أن المركز يعمل على توعية الناس بالقانون الاسرائيلي ولتحسين ظروف
المعاملات وجعلها بالعربي "كان الناس يمضون على اوراق لا يعلمون ما بها اما
الان فيتم تسجيل المقابلة لكن الاهم هو ايجاد مؤسسات فلسطينية وعربية
للضغط على المجتمع الدولي" وشدد قائلا "نحن نتعرض لتصفية بالقدس".