يروي لنا القرآن قصة قارون، وهو من قوم موسى. لكن القرآن لا يحدد زمن
القصة ولا مكانها. فهل وقعت هذه القصة وبنو إسرائيل وموسى في مصر قبل
الخروج؟ أو وقعت بعد الخروج في حياة موسى؟ أم وقعت في بني إسرائيل من بعد
موسى؟ وبعيدا عن الروايات المختلفة، نورد القصة كما ذكرها القرآن الكريم.
يحدثنا الله عن كنوز قارون فيقول سبحانه وتعالى إن مفاتيح الحجرات التي
تضم الكنوز، كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء. ولو عرفنا عن
مفاتيح الكنوز هذه الحال، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟! لكن قارون بغى على
قومه بعد أن آتاه الله الثراء. ولا يذكر القرآن فيم كان البغي، ليدعه
مجهلا يشمل شتى الصور. فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم.
وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال. حق الفقراء في أموال
الأغنياء. وربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب.
ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بالقصد والاعتدال، وهو المنهج السليم. فهم
يحذروه من الفرح الذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال،
وينصحونه بالتمتع بالمال في الدنيا، من غير أن ينسى الآخرة، فعليه أن يعمل
لآخرته بهذا المال. ويذكرونه بأن هذا المال هبة من الله وإحسان، فعليه أن
يحسن ويتصدق من هذا المال، حتى يرد الإحسان بالإحسان. ويحذرونه من الفساد
في الأرض، بالبغي، والظلم، والحسد، والبغضاء، وإنفاق المال في غير وجهه،
أو إمساكه عما يجب أن يكون فيه. فالله لا يحب المفسدين.
فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد (قَالَ إِنَّمَا
أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة
وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء. فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم
يشعر بنعمة ربه.
وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا
أن لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة. فرد عليهم من
سمعهم من أهل العلم والإيمان: ويلكم أيها المخدوعون، احذروا الفتنة،
واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير
مما عند قارون.
وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها، وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى، تتدخل
القدرة الإلهية لتضع حدا للفتنة، وترحم الناس الضعاف من إغراءها، وتحطم
الغرور والكبرياء، فيجيء العقاب حاسما (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ
الْأَرْضَ) هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره. وذهب ضعيفا
عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال.
وبدأ الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض في دهشة وعجب واعتبار. فقال الذين
كانوا يتمنون أن عندهم مال قارون وسلطانه وزينته وحظه في الدنيا: حقا إن
الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويوسع عليهم، أو يقبض ذلك،
فالحمد لله أن منّ علينا فحفظنا من الخسف والعذاب الأليم. إنا تبنا إليك
سبحانك، فلك الحمد في الأولى والآخرة.
__________________
هارون عليه السلام
نبذة:
أخو موسى ورفيقه في دعوة فرعون إلى الإيمان بالله لأنه كان فصيحا ومتحدثا،
استخلفه موسى على قومه عندما ذهب للقاء الله فوق جبل الطور، ولكن حدثت
فتنة السامري الذي حول بني إسرائيل إلى عبادة عجل من الذهب له خوار ،
فدعاهم هارون إلى الرجوع لعبادة الله بدلا من العجل ولكنهم استكبروا فلما
رجع موسى ووجد ما آل إليه قومه عاتب هارون عتابا شديدا.
سيرته:
لا يذكر الكثير عن سيرة هارون عليه السلام. إلا أن المعلوم هو أن الله أيد
موسى بأخيه هارون في دعوته فلقد كان هارون عليه السلام أفصح لسانا. وورد
موقف موسى عليه السلام من أخيه حين استخلفه على بني إسرائيل وذهب للقاء
ربه، فعبدت بنو إسرائيل العجل الذي صنعه السامري. القصة مذكورة بتفاصيلها
في قصة موسى عليه السلام.
__________________